الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
ثم إن الملك الناصر فوض عمل الخليج إلى الأمير أرغون النائب. فنزل أرغون بالمهندسين إلى النيل إلى أن وقع الاختيار على موضع بموردة البلاط من أراضي بستان الخشاب ويقع الحفر في الميدان الظاهري الذي جعله الملك الناصر هذا بستانًا من سنيات وغرم عليه أموالًا جمة ثم يمر الخليج المذكور على بركة قرموط إلى باب البحر ثم إلى أرض الطبالة ويرمي في الخليج الكبير. وكتب إلى ولاة الأعمال بإحضار الرجال للحفر وعين لكل واحد من الأمراء أقصابًا بحفرها وابتدئ بالحفر من أول جمادى الأولى من سنة خمس وعشرين إلى أن تم في سلخ جمادى الآخرة من السنة. وأخرب فيه أملاك كثيرة وأخذت قطعة من بستان الأمير أرغون النائب وأعطى السلطان ثمن ما خرب من الأملاك لأربابها والتزم فخر الدين ناظر الجيش بعمارة قنطرة برأس الخليج عند فمه. قلت: وهي القنطرة المعروفة بقنطرة الفخر. والتزم قديدار والي القاهرة بعمارة قنطرة تجاه البستان الذي كان ميدانًا للظاهر بيبرس البندقداري وأن قديدار أيضًا يتم قناطر الإوز وقناطر الأميرية فعمل ذلك كله. فلما كان أيام النيل جرت السفن فيه وعمرت عليه السواقي وأنشئت بجانبه البساتين والأملاك. ثم توجه السلطان في يوم الإثنين سادس جمادى الآخرة إلى خانقاته التي أنشأها بسرياقوس وخرجت القضاة والمشايخ والصوفية إليها وعمل لهم سماط عظيم في يوم الخميس تاسعه بالخانقاه المذكورة. واستقر الشيخ مجد الدين أبو حامد موسى بن محمود الأقصرائي الذي كان شيخ خانقاه كريم الدين الكبير بالقرافة في مشيخة هم الخانقاه ورتب عنده مائة صوفي ورسم للشيخ مجد الدين المذكور بخلعة وأن يلقب بشيخ الشيوخ. وأما العسكر الذي توجه إلى اليمن فإن السلطان كتب إلى أمراء الحجاز بالقيام في خدمة العسكر وتقدم كافور الشبلي خادم الملك المجاهد الذي قدم في الرسلية إلى زبيد ليعلم أستاذه الملك المجاهد بقدوم العسكر وكتب لأهل حلي بني يعقوب الأمان وأن يجلبوا البضائع للعسكر. ورحل العسكر في خامس جمادى الآخرة من مكة فوصل إلى حلي بني يعقوب في اثني عشر يومًا بعد عشرين مرحلة فتلقاهم أهلها ودهشوا لرؤية العساكر وقد طلبت ولبست السلاح وهموا بالفرار. فنودي فيهم بالأمان وألا يتعرض أحد من العسكر لشيء إلا بثمنه فأطمأنوا وحملوا إلى كل من بيبرس وطينال من مقدمي العسكر مائة رأس من الغنم وخمسمائة إردب ذرة فرداها ولم يقبلا لأحد شيئًا. ورحلوا بعد ثلاثة أيام في العشرين منه. فقدمت الأخبار على العسكر باجتماع رأي أهل زبيد على الدخول في طاعة الملك المجاهد خوفًا من العسكر وأنهم ثاروا بالمتملك عليهم ونهبوا أمواله ففر عنهم فكتبوا للمجاهد بذلك فقوي ونزل من قلعة تعز يريد زبيد فكتب أمراء العسكر المصري إليه أن يكون على أهبة اللقاء. فنزل العسكر زبيد ووافاهم المجاهد بجنده فسخر منهم العسكر المصري من كونهم عراة وسلاحهم الجريد والخشب وسيوفهم مشدودة على أذرعهم ويقاد للأمير فرس واحد مجلل وعلى رأس المجاهد عصابة ملونة فوق العمامة. فعندما عاين المجاهد العساكرالمصرية وهي لابسة آلة الحرب رعب وهم أن يترجل فمنعه الأمير بيبرس وآقول من ذلك. ومشى العسكر صفين والأمراء في الوسط حتى قربوا منه فألقى المجاهد نفسه هو ومن معه إلى الأرض فترجل له الأمراء أيضًا وأركبوه وأكرموه وأركبوه في الوسط وساروا إلى المخيم وألبسوه تشريفًا سلطانيًا بكلفتاة زركش وحياصة ذهب. وركب والأمراء في خدمته والعساكر إلى داخل زبيد ففرح أهلها فرحًا شديدًا ومد المجاهد لهم سماطًا جليلًا فامتنع الأمراء والعساكر من أكله خوفًا من أن يكون فيه ما يخاف عاقبته واعتذروا إليه بأن هذا لا يكفي العساكر ولكن في غد يعمل السماط. فأحضر لهم المجاهد ما يحتاجون إليه وتولى طباخو الأمراء عمل السماط وأصبح وقد حضر المجاهد وأمراؤه وقد مد السماط بين يديهم وأحضر كرسي جلس عليه المجاهد فوقف السقاة والنقباء والحجاب والجاشنكيرية على العادة ووقف الأمير بيبرس رأس الميمنة والأمير طينال رأس الميسرة فلما فرغ السماط صاحت الجاوشية على أمراء المجاهد وأهل دولته وأحضروهم وقرىء عليهم كتاب السلطان فباسوا بأجمعهم الأرض وقالوا: سمعًا وطاعة وكتب الأمير بيبرس لممالك اليمن بالحضور فحضروا. ثم كتب لهم المجاهد بغنم وذرة واعتذر للأمراء والعساكر المصرية بعدم عمل الإقامة لهم بخراب البلاد فتوجه قصاد العسكر لأخذ الغنم والذرة وأقامت العساكر بزبيد فعادت قصادهم بغير غنم ولاذرة فرحلوا من زبيد في نصف رجب يريدون تعز فتلقاهم المجاهد ونزلوا خارج البلد وشكوا ماهم فيه من قلة الإقامات فوعدهم بالإنجاز. ثم إن الأمراء كتبوا للملك الظاهر المقيم بدملوه وبعثوا له الشريف عطيفة أمير مكة وعز الدين الكوندكي وكتب إليه المجاهد أيضًا يحثه على الطاعة. وأقام العسكر في جهد فأغاروا على الضياع وأخذوا ما قدروا عليه فارتفع الذرة من ثلاثين درهمًا الإردب إلى تسعين وفقد الأك إلا من الفاكهة فقط لقلة الجالب واتهم أن ذلك بمواطأة المجاهد خوفًا من العسكر أن تملك منه البلاد. ثم إن أهل جبل صبر قطعوا الماء عن العسكر وتخطفوا الجمال والغلمان وزاد أمرهم إلى أن ركب العسكر في أثرهم فامتنعوا بالجبل ورموا بالمقاليع على العسكر فرموهم بالنشاب وأتاهم المجاهد فخذلهم عن الصعود إلى الجبل فلم يلتفتوا إلى كلامه ونازلوا الجبل يومهم وقتل من العسكر أربعة من الغلمان وبات العسكر تحت الجبل. فبلغ بيبرس أن المجاهد قرر مع أصحابه أن العسكر إذا صعدوا الجبل يضرمون النار في الوطاق وينهبون ما فيه فبادر بيبرس وقبض على بهاء الدين بهادر الصقري وأخذ موجوده ووسطه قطعتين وعلقه على الطريق ففرح أهل تعز بقتله وكان قد تغلب على زبيد حتى طرده أهلها عند قدوم العسكر. وعاد الشريف عطيفة والكوندكي من دملوه بأن الظاهر في طاعة السلطان. ثم طلب العسكر من المجاهد ما وعد به السلطان الملك الناصر فأجاب بأنه لا قدرة له إلا بما في عملوه فأشهد عليه بيبرس قضاة تعز بذلك. وارتحل العسكر إلى حلي بني يعقوب فقدمها في تاسع شعبان. ورحلوا منها أول شهر رمضان إلى مكة فدخلوها في حادي عشره في مشقة زائدة. وساروا من مكة يوم عيد الفطر إلى جهة مصر فقدموا بركة الحجاج أول يوم من ذي القعدة. وطلع الأمراء إلى القلعة فخلع السلطان عليهم في يوم السبت ثالثه. وقدم الأمير بيبرس هدية فأغرى الأمير طينال السلطان على الأمير بيبرس بأنه أخذ مالًا من المجاهد وغيره وقصر في أخذ مملكة اليمن. فلما كان يوم الاثنين تاسع عشره رسم السلطان بخروج بيبرس إلى نيابة غزة فامتنع لأنه كان بلغه ما قيل عنه وأن السلطان قد تغير عليه فقبض عليه السلطان وسجنه بالبرج من القلعة وقبض على حواشيه وصادرهم وعوقبوا على المال فلم يظهر شيء وسكت السلطان عن أحوال اليمن. ثم في سنة ست وعشرين وسبعمائة استأذن الأمير أرغون النائب السلطان في الحج فأذن له فحج هو وولده ناصرالدين محمد. وعادا من الحجاز إلى سرياقوس في يوم الأحد حادي عشر المحرم سنة سبع وعشرين وسبعمائة فقبض السلطان عليهما وعلى الأمير طيبغا المجدي فأخذهم الأمير بكتمر الساقي عنده وسعى في أمرهم حتى أخرج في يوم الاثنين ثاني عشره يعني من الغد الأمير أرغون إلى نيابة حلب عوضًا عن الأمير ألطنبغا وأخرج معه الأمير أيتمش المحمدي مسفره وتوجه الأمير ألجاي الدوادار إلى حلب لإحضار الأمير ألطنبغا نائبها وقرر السلطان مع كل من أيتمش وألجاي أن يكونا بمن معهما في دمشق يوم الجمعة ثالث عشرينه ولم يعلم أحد بما توجه فيه الآخر حتى توافيا بدمشق في يوم الجمعة المذكور. وقد خرج الأمير تنكز نائب الشام إلى ميدان الحصى لتلقي الأمير أرغون فترجل كل منهما لصاحبه وسارا إلى جامع بني أمية فلما توسطاه إذا بألجاي ومعه الأمير ألطنبغا نائب حلب فسلم أرغون عليه بالإيماء. فلما انقضت صلاة الجمعة عمل لهما الأمير تنكز سماطًا جليلًا فحضرا السماط. ثم سار أرغون إلى حلب فوصلها في سلخ الشهر. وسار ألطنبغا حتى دخل مصر في مستهل صفر فأكرمه السلطان وخلع عليه وأسكنه بقلعة الجبل وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف من جملة إقطاع أرغون النائب وكمل السلطان من إقطاع أرغون أيضًا لطايربغا على إقطاعه إمرة مائة وتقدمة ألف فزادت التقادم تقدمة فصارت أمراء الألوف خمسة وعشرين مقدم ألف بالديار المصرية.
قبض السلطان على الأمير بهاء الدين أصلم وعلى أخيه قرمجي وجماعة من القبجاقية وسبب ذلك أن أصلم عرض سلاح خاناته وجلس بإسطبله وألبس خيله ورتبها للركوب فوشى به بعض أعدائه بأنه قد عزم هو وأخوه قرمجي وجماعة القبجاق أن يهجموا على السلطان ويغيروا الدولة وكتب بواقعة أمره ورقة وألقاها إلى السلطان فلما وقف عليها السلطان تغير تغيرًا زائدًا وكانت عادته ألا يكذب في الشر خبرًا وبعث من فوره فسأل أصلم مع ألماس الحاجب عما كان يفعله أمس في إسطبله فذكر أنه اشترى عدة أسلحة فعرضها على خيله لينظر مايناسب كل فرس منها فصدق السلطان مانقل عنه وقبض السلطان عليه وعلى أخيه وعلى أهل جنسه وعلى الأمير قيران صهر قرمجي وعلى الأمير إتكان أخي آقول الحاجب وسفروا إلى الإسكندرية مع الأمير صلاح الدين طرخان بن بيسري وبرلغي قريب السلطان وأفرد أصلم ببرج في القلعة. ثم قدم الأمير حسين بن جندر من الشام الذي كان نفاه السلطان لما عمر جامعه وفتح بابًا من سور القاهرة فلما مثل بين يدي السلطان خلع عليه خلعة أطلس بطرز زركش وكلفتاة زركش وحياصة مكوبجة وأنعم عليه بإقطاع أصلم في يوم الاثنين ثالث جمادى الآخره. وفيها عقد على الأمير قوصون الناصري عقد ابنة السلطان الملك الناصر بقلعة الجبل وتولى عقد النكاح قاضي القضاة شمس الدين محمد بن الحريري الحنفي. ثم بعد مدة في سنة ثمان وعشرين عقد نكاح ابنة السلطان الأخرى على الأمير طغاي تمر العمري وأعفى السلطان في هذه المرة الأمراء من حمل الشموع وغيرها إلى طغاي تمر كما كانوا قد فعلوا مع قوصون وأنعم السلطان على طغاي تمر من خزانته عوضًا عن ذلك بأربعة آلاف دينار. ثم أفرج السلطان عن الأمير علم الدين سنجر الجاولي بعد أن اعتقل ثماني سنين وثلاثة أشهر وأحد عشر يومًا فكان فيها ينسخ القرآن وكتب الحديث. وفي سنة ثمان وعشرين أيضًا عزم السلطان على أن يجري النيل تحت قلعة الجبل ويشق له من ناحية حلوان فبعث الصناع صحبة شاد العمائر إلى حلوان وقاسوا منها إلى الجبل الأحمر المطل على القاهرة وقدروا العمل في بناء الواطي حتى يرتفع وحفر العالي ليجري الماء إلى تحت قلعة الجبل من غير نقل ولاكلفة. ثم عادوا وعرفوا السلطان ذلك فركب وقاسوا الأرض بين يديه فكان قياس ما يحفر اثنتين وأربعين ألف قصبة حاكمية لتبقى خليجًا يجري فيه ماء النيل شتاء وصيفًا بسفح الجبل فعاد السلطان وقد أعجبه ذالك وشاور الأمراء فيه فلم يعارضه فيه أحد إلا الفخر ناظر الجيش فإنه قال: بمن يحفر السلطان هذا الخليج قال: بالعسكر قال: والله لو اجتمع عسكر آخر فوق العسكر السلطاني وأقام سنين ما قدروا على حفر هذا العمل فإنه يحتاج إلى ثلاث خزائن من المال ثم هل يصح أولًا فالسلطان لايسمع كلام كل أحد ويتعب الناس ويستجلب دعاءهم ونحو ذلك من القول فرجع السلطان عن عمله. وفيها أفرج السلطان عن الشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية بشفاعة الأمير جنكلي بن البابا. وفي يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وسبعمائة رسم السلطان بردم الجب الذي كان بقلعة الجبل لما بلغ السلطان أنه شنيع المنظر شديد الظلمة كره الرائحة وأنه يمر بالمحابيس فيه شدائد عظيمة فردم وعمر فوقه طباق للمماليك السلطانية. وكان هذا الجب عمل في سنة إحدى وثمانين وستمائة في أيام الملك المنصور قلاوون. ثم في السنة المذكورة رسم السلطان للحاجب أن ينادي بألا يباع مملوك تركي لكاتب ولا عامي ومن كان عنده مملوك فليبعه ومن عثر عليه بعد ذلك أن عنده مملوكًا فلا يلوم إلا نفسه. وفيها عرض السلطان مماليك الطباق وقطع منهم مائة وخمسين وأخرجهم من يومهم ففرقوا بقلاع الشام. ثم خرج السلطان إلى سرياقوس في سابع عشرين من ذي الحجة على العادة في كل سنة وقدم عليه الأمير تنكز نائب الشام في أول المحرم سنة ثلاثين وسبعمائة وبالغ السلطان في إكرامه ورفع منزلته وقد تكرر قدوم تنكز هذا إلى القاهرة قبل تاريخه غير مرة ثم عاد إلى نيابته بدمشق في رابع عشر المحرم. ثم في عشرين المحرم المذكور وصل إلى القاهرة الملك المؤيد إسماعيل صاحب حماة فبالغ السلطان أيضًا في إكرامه ورفع منزلته وخلع عليه. ثم سافر السلطان في تاسع صفر إلى بلاد الصعيد للصيد على عادته ومعه المؤيد صاحب حماة ثم عاد بعد أيام قليلة لتوعك بدنه من رمد طلع فيه وأقام بالأهرام بالجيزة أيامًا ثم عاد وسافر إلى الصعيد حتى وصل إلى هو ثم عاد إلى مصر في خامس شهر ربيع الآخر وسافر في ثامنه المؤيد صاحب حماة إلى محل ولايته بعد أن غاب مع السلطان هذه الأيام الكثيرة. ثم نزل السلطان من القلعة في خامس عشرين ربيع الآخر المذكور وتوجه إلى نواحي قليوب يريد الصيد فبينما هو في الصيد تقنطر عن فرسه فانكسرت يده وغشي عليه ساعة وهو ملقى على الأرض ثم أفاق وقد نزل إليه الأميران: أيدغمش أمير أخور وقماري أمير شكار وأركباه فأقبل الأمراء بأجمعهم إلى خدمته وعاد إلى قلعة الجبل في عشية الأحد ثامن عشرينه فجمع الأطباء والمجبرين لمداواته فتقدم رجل من المجبرين يعرف بابن بن بوسقة وتكلم بجفاء وعامية طباع وقال له: تريد تفيق سريعًا اسمع مني فقال له السلطان: قل ماعندك فقال: لاتخل يداويك غيري بمفردي وإلا فسدت حال يدك مثلما سلمت رجلك لابن السيسي فأفسدها وأنا ما أخلي شهرًا يمضي حتى تركب وتلعب بيدك الأكرة فسكت السلطان عن جوابه وسلم إليه يده فتولى علاجه بمفرده وبطلت الخدمة مئة سبعة وثلاثين يومًا. وعوفي السلطان فزينت له القاهرة في يوم الأحد رابع جمادى الآخرة من السنة المذكورة وتفاخر الناس في الزينة بحيث إنه لم يعهد زينة مثلها وأقامت سبعة أيام هذا والأفراح عمالة بالقلعة وسائر بيوت الأمراء مدة الأسبوع فإن كل أمير متزوج إما بإحدى جواري السلطان أو ببناته وأكثرهم أيضًا مماليكه وكذلك البشائر والكوسات تضرب وأنعم السلطان على الأمراء وخلع عليهم. ثم خرج السلطان إلى القصر الأبلق وفرق عدة مثالات على الأيتام وعمل سماطًا جليلًا وخلع على جميع أرباب الوظائف. وأنعم على المجبر بعشرة آلاف درهم ورسم له أن يدور على جميع الأمراء فلم يتأخر أحد من الأمراء عن إفاضة الخلع عليه وإعطائه المال فحصل له ما يجل وصفه. وتوجه الأمير آقبغا عبد الواحد إلى البلاد الشامية مبشرًا بعافية السلطان. وفيها اشترى الأمير قوصون الناصري دار الأمير آقوش الموصلي الحاجب المعروف بآقوش نميلة ثم عرفت ثانيًا بدار الأمير آقوش قتال السبع من أربابها واشترى أيضًا ما حولها وهدم ذلك كله وشرع في بناء جامع فبعث السلطان إليه بشاد العمائر والأسرى لنقل الحجارة ونحوها فنجزت عمارته في مدة يسيرة وجاء الجامع المذكور من أحسن المباني وهو خارج بابي زويلة على الشارع الأعظم بالقرب من بركة الفيل وتولى عمارة منارته رجل من أهل تبريز أحضره الأمير أيتمش المحمدي معه فعملها على منوال موادن تبريز. ولما كمل بناء الجامع أقيمت الجمعة فيه في يوم الجمعة حادي عشر شهر رمضان سنة ثلاثين وسبعمائة وخطب به يومئذ قاضي القضاة جلال الدين محمد القزويني وخلع عليه الأمير قوصون بعد فراغه وأركبه بغلة هائلة. وفي هذه السنة أيضًا ابتدأ علاء الدين مغلطاي الجمالي أحد المماليك السلطانية في عمارة جامع بين السورين من القاهرة وسمي جامع التوبة لكثرة ما كان هناك من الفساد وأقام به الخطبة. ثم عاد السلطان الملك الناصر على ما كان عليه من أول سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة من التوجه إلى الصيد على عادته وقدم عليه موت الأمير أرغون الدوادار نائب حلب كان وهو بالصيد فخلع على الأمير ألطنبغا الصالحي بنيابة حلب عوضه. ثم في يوم السبت سابع عشر ذي الحجة ركب السلطان من القلعة إلى الميدان الذي استجده وقد كملت عمارته. وكان السلطان قد رسم في أول هذه السنة بهدم مناظر الميدان الظاهري الذي كان بباب اللوق وتجديد عمارة هذا الميدان الذي استجده وفوض ذلك للأمير ناصر الدين محمد بن المحسني فهدم تلك المناظر وباع أخشابها بمائة ألف درهم وألفي درهم واهتم في عمارة جديدة فكمل في مدة شهرين وجاء من أحسن مايكون فخلع السلطان عليه وفرق على الأمراء الخيول المسرجة الملجمة. وفي أول محرم سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة قدم مبشر الحاج وأخبر بسلامة الحاج وأن الأمير مغلطاي الجمالي الأستادار على خطة فعين السلطان عوضه في الأستادارية الأمير أقبغا عبد الواحد. ومات مغلطاي في العقبة وصبر وحمل إلى أن دفن بمدرسته قريبًا من درب ملوخيا بالقاهرة بالقرب من رحبة باب العيد. ولبس آقبغا عبد الواحد الأستادارية في يوم الثلاثاء سادس عشرين المحرم. ثم بعد أيام خلع عليه السلطان بتقدمة المماليك السلطانية مضافًا على الأستادارية من أجل أن السلطان وجد بعض المماليك قد نزل من القلعة إلى القاهرة وسكر فضرب السلطان كثيرًا من الطواشية وطرد كثيرًا منهم وأنكر على الطواشي مقدم المماليك وصرفه عن التقدمة بآقبغا هذا فضبط آقبغا المذكور طباق المماليك بالقلعة وضرب عدة منهم ضربًا مبرحًا أشرف منهم جماعة على الموت فلم يجسر بعد ذلك أحد أن يتجاوز طبقته إلى وفي يوم الاثنين ثالث عشرين صفر جمع السلطان الأمراء والقضاة والخليفة ليعهد بالسلطنة لابنه آنوك ويركب ولده آنوك بشعار السلطنة ثم انثنى عزمه عن ذلك في المجلس وأمر أن يلبس آنوك شعار الأمراء ولا يطلق عليه اسم السلطنة فركب وعليه خلعة أطلس أحمر بطرز زركش وشربوش مكلل مزركش وخرج من باب القرافة والأمراء في خدمته حتى مر من سوق الخيل تحت القلعة ونزل عن فرسه وباس الأرض وطلع من باب الإسطبل إلى باب السر وصعد منه إلى القلعة ونثرت عليه الدنانير والدراهم. وخلع السلطان على الأمير ألماس الحاجب والأمير بيبرس الأحمدي وكان السلطان أفرج عن بيبرس المذكور قبل ذلك بمدة من السجن وخلع على الأمير أيدغمش أمير آخور الجميع خلع أطلس وخلع السلطان على جميع أرباب الوظائف ومد لهم سماط عظيم وعملت الأفراح الجليلة. وعظم المهم لعقد آنوك المذكور على بنت بكتمر الساقي فعقد العقد بالقصر على صداق مبلغه من الذهب اثنا عشر ألف دينار المقبوض منه عشرة آلاف دينار وأنعم السلطان على ولده آنوك المذكور بإقطاع الأمير مغلطاي المتوفى بالعقبة. ثم في عاشر شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة المذكورة قدم الملك الأفضل ناصرالدين محمد بن الملك المؤيد إسماعيل الأيوبي صاحب حماة بعد وفاة أبيه الملك المؤيد بها وله من العمر نحو من عشرين سنة فأكرمه السلطان وأقبل عليه. وكان والده لما توفي بحماة أخفى أهله موته وسارت زوجته أم الأفضل هذا إلى دمشق وترامت على الأمير تنكز نائب الشام وقدمت له جوهرًا باهرًا وسألته في إقامة ولدها الأفضل في سلطنة أبيه المؤيد بحماة. فقبل تنكز هديتها وكتب في الحال إلى الملك الناصر بوفاة الملك المؤيد وتضرع إليه في إقامة ولده الأفضل مكانه. فلما قدم البريد بذلك تأسف السلطان على الملك المؤيد وكتب للأمير تنكز بولايته وبتجهيز الأفضل المذكور إلى مصر فأمره تنكز في الحال بالتوجه إلى مصر فركب وسار حتى دخلها ومثل بين يدي السلطان. وخلع عليه الملك الناصر في يوم الخميس خامس عشرين شهر ربيع الآخر بسلطنة حماة وركب الأفضل من المدرسة المنصورية ببين القصرين وهو بشعار السلطنة وبين يديه الغاشية وقد نشرت على رأسه العصائب الثلاث منها واحد خليفتي أسود واثنان سلطانيان أصفران وعليه خلعة أطلسين بطراز ذهب وعلى رأسه شربوش ذهب وفي وسطه حياصة ذهب بثلاث بيكاريات. وسارالأفضل في موكب جليل وطلع إلى القلعة وقبل الأرض بين يدي السلطان بالقصر. ثم جلس وخلع السلطان على الأمراء الذين مشوا بخدمته وهم: الأمير ألماس الحاجب وبيبرس الأحمدي وأيدغمش أمير آخور وطغجي أمير سلاح وتمر رأس نوبة ألبمس كلًا منهم أطلسين بطراز ذهب. ثم خلع على جماعة أخر وكان يومًا مشهودًا. ولقبه السلطان بالملك الأفضل ثم جهزه إلى بلاده. ثم حضر بعد ذلك تنكز نائب الشام إلى القاهرة ليحضر عرس ابن السلطان الأمير آنوك. وشرع السلطان في عمل المهم من أوائل شعبان من سنة اثنتين وثلاثين وجمع السلطان من بالقاهرة ومصر من أرباب الملاهي واستمر المهم سبعة أيام بلياليها. واستدعى حريم الأمراء للمهم فلما كانت ليلة السابع منه حضر السلطان على باب القصر وتقدم الأمراء على قدر مراتبهم واحدًا بعد واحد ومعهم الشموع فكان إذا قدم الواحد ما أحضره من الشمع قبل الأرض وتأخر حتى انقضت تقادمهم فكان عدتها ثلاثة آلاف وثلاثين شمعة زنتها ثلاثة آلاف وستون قنطارًا فيها ماعني به ونقش نقشًا بديعًا تنوع في تحسينه وأحسنها شمع الأمير سنجر الجاولي فإنه اعتنى بأمره وبعث إلى عملها إلى دمشق فجاءت من أبدع شيء. وجلس الأمير آنوك تجاه السلطان فأقبل الأمراء جميعًا وكل أمير يحمل بنفسه شمعة وخلفه مماليكه تحمل الشمع فيتقدمون على قدر رتبهم ويقبلون الأرض واحدًا بعد واحد طول ليلهم حتى كان آخر الليل نهض السلطان وعبر حيث مجتمع النساء فقامت نساء الأمراء بأسرهن وقبلن الأرض واحدة بعد أخرى وهي تقدم ما أحضرت من التحف الفاخرة حتى انقضت تقامهن جميعًا رسم السلطان برقصهن فرقصن عن آخرهن واحدة بعد واحدة والمغاني تضربن بالدفوف والأموال من الذهب والفضة والشقق الحرير تلقى على المغنيات فحصل لهن ما يجل وصفه ثم زفت العروس. وجلس السلطان من بكرة الغد وخلع على جميع الأمراء وأرباب الوظائف بأسرها ورسم لكل امرأة أمير بتعبية قماش على قدر منزلة زوجها وخلع على الأمير تنكز نائب الشام وجهز صحبته الخلع لأمراء دمشق. فكان هذا العرس من الأعراس المذكورة ذبح فيه من الغنم والبقر والخيل والإوز والدجاج ما يزيد على عشرين ألفًا وكمل فيه من السكر برسم الحلوى والمشروب ثمانية عشر ألف قنطار وبلغت قيمة ماحمله الأمير بكتمر الساقي مع ابنته من الشورة ألف ألف دينار قاله جماعة من المؤرخين. ثم استهم السلطان إلى سفر الحجاز الشريف وسافر الأمير أيدمر الخطيري أمير حاج المحمل في عشرين شوال من السنة ونزل السلطان من القلعة في ثاني عشر شوال وأقام بسرياقوس حتى سار منه إلى الحجاز في خامس عشرينه بعد ما قدم حرمه صحبة الأمير طغيتمر في عدة من الأمراء. واستناب السلطان على ديار مصر الأمير سيف الدين ألماس الحاجب ورسم له أن يقيم بداره وجعل الأمير آقبغا عبد الواحد داخل باب القلة عن قلعة الجبل لحفظ القلعة وجعل الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك بالقلعة وأمره ألا ينزل منها حتى يحضر وأخرج كل أمير من الأمراء المقيمين إلى إقطاعه ورسم لهم ألا يعودوا منها حتى يرجع السلطان من الحجاز. وتوجه مع السلطان إلى الحجاز الملك الأفضل صاحب حماة ومن الأمراء: جنكلي بن البابا والحاج آل ملك وبيبرس الأحمدي وبهادر المعزي وأيدغمش أمير آخور وبكتمر الساقي وطقزدمر وسنجر الجاولي وقوصون وطايربغا وطغاي تمر وبشتاك وأرنبغا وطغجي وأحمد بن بكتمر الساقي وجركتمر بن بهادر وطيدمر الساقي وآقبغا آص الجاشنكير وطوغان الساقي وطقتمر الخازن وسوسون السلاح دار وتلك وبيبغا الشمسي وبيغرا وقماري وتمر الموسوي وأيدمر أمير جاندار وبيدمر البدري وطقبغا الناصري وأيتمش الساقي وإياز الساقي وألطنقش وأنس وأيدمر دقماق وطيبغا المجدي وخير بك وقطز أمير آخور وبيدمر وأينبك وأيدمر العمري ويحيى بن طايربغا ومسعود الحاجب ونوروز وكجلي وبرلغي وبكجا ويوسف الدوادار وقطلقتمر السلاح دار وآناق وساطلمش وبغاتمر ومحمد بن جنكلي وعلي بن أيدغمش وألاجا وآق سنقر وقرا وعلاء الدين علي بن هلال الدولة وتمربغا العقيلي وقماري الحسني وعلي بن أيدمر الخطيري وطقتمر اليوسفي و هؤلاء مقدمون وطلبخاناه. ومن العشرات: علي بن السعيدي وصاروجا النقيب وآق سنقر الرومي وإياجي الساقي وسنقر الخازن وأحمد بن كجكن وأرغون العلائي وأرغون الإسماعيلي وتكا وقبجق ومحمد بن الخطيري وأحمد بن أيدغمش وطشبغا وقليجي. وحج مع السلطان أيضًا قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي وابن الفرات الحنفي وفخر الدين النويري المالكي وموفق الدين الحنبلي وكانوا أربعتهم ينزلون في خيمة واحدة فإذا قدمت لهم فتوى كتبوا عليها الأربعة وقدم السلطان الأمير أيتمش إلى عقبة أيلة ومعه مائة رجل من الحجازيين حتى وسعوا طريق العقبة وأزالوا وعرها ومن يومئذ سهل صعودها. ولما قرب السلطان من عقبة أيلة بلغه آتفاق الأمير بكتمر الساقي على الفتك به مع عدة من المماليك السلطانية فتمارض السلطان وعزم على الرجوع إلى مصر ووافقه الأمراء على ذلك إلا بكتمر الساقي فإنه أشار بإتمام السفر وشنع عوده قبل الحج. فعند ذلك عزم السلطان على السفر وسير ابنه آنوك وأمه خوند طغاي إلى الكرك صحبة الأمير ملكتمر السرجواني نائب
|